•  

    1-   هذا الجدل يحيلنا بشكل او بآخر إلى العلاقة التي تتعدد حولها الاجتهادات بين العلوم الانسانية ودراسة الظاهرة الدينية في مختلف تمظهراتها خاصة وأن البعض يحاول من خلال الاشارة الى ما يرتبط  بهذه الظاهرة من قداسة وضع قيود على تعاطي العلوم الانسانية مع الظاهرة الدينية فما هو رأي الاستاذة آمنة الجبلاوي؟

    ما سيرد في جوابنا هو محاولة لرصد الأسباب وفهم الظّاهرة ولا علاقة للجواب بمشاعر الناس ومعتقداتهم وعاداتهم الثقافية والاجتماعية. ولا يشك عاقل في أن تحليل المسائل لا يمس من الاحترام المرصود للشأن العقديّ. وما يحاول البعض الإيهام بأن العلوم الإنسانية والمعارف الحديثة لا يمكن أن تطبق على بعض الخصوصيات الثقافية، فالأخذ بسبل العلوم من الآخرين وتطويعها والاستفادة من مكاسبها المنهجية لا يمس من القناعات بل قد يثبتها ويجعلها أكثر قربا من الذهنيات الحديثة.

    وإن كنتم ترومون من خلال السؤال التلويح الى التّعارض الذي يحاول البعض تصوره بين العلوم الشرعية  والعلوم الحديثة فإننا متأكدون من أنّ المنظومتين مختلفتين وأنهما في نفس الوقت لا تتعارضان بل في رأيي تكملان بعضهما البعض. والواحدة منهما هي قطعا في حاجة الى الأخرى، فعوض ان نحاسب البعض على النوايا ليهتم كل بتحصيل علومه والارتقاء ببحوثه والسعي إلى الرد على الآخرين بالحجّة التي تقارع الحجة. أما ردود الفعل المتوتّرة  فلا تتقدم بمستوى الحوار المدني والأكاديمي وهي تسيء الى اصحابها اكثر مما تخدم رغباتهم وتعبر عن تهافت وضعف في ادوات الرد وبراهينه، طبعا الحديث يهم حالات فردية لا شان يُذكر لها -وهي فردية لا تعبر عن المجموعات أو المؤسسات- وفي المقابل هناك ثلة من الباحثين والكتاب الواعدين الذي يُتوقع منه الكثير رغم اختلافهم في بعض المنطلقات أو بعض أدوات البحث ولكن يجمعنا الشغف بالفكرة واحترام الكلمة الصادقة ونحن نعي اختلافنا لكننا نحترم بعضنا ولعل التجربة التونسية الرائدة هي التي ينتظر منها الجديد ويقر كثير من الاصدقاء بان الإضافة ستكون من ربوعنا واعترف أنها فرضية تثير الفخر وتحفز على الاجتهاد.

    1-   شمل اهتمامك الأقليات العرقية والمذهبية وهو ما يدفعني الى أن اسالك عن سبل تطوير التعاطي مع الاقليات منهجيا وعلميا وايضا سياسيا في ظل ما يرتبط احيانا في الحس العام سياسيا أحيانا من خلط بين الاقليات والادوار السياسية التي تؤثر على تماسك المجتمعات؟

    في حقيقة الأمر لا بد لنا أن نقر مثل الكثيرين بتحقق نبوّة أندري مالرو André Malraux عن القرن الواحد والعشرين إذ قال أنّه سيكون قرنا يشهد عودة الدّيني في كل العالم. وفي إطار هذه العودة طرحت مسائل عديدة في علاقة بتعايش ما يسمى أعراقا أو مذاهب مختلفة في ظل مجتمع واحد.

    ويتنزل الاهتمام بالأقليات العرقية وخاصة المذهبية في إطار بحث أكاديمي موضوعي متجرد، يهدف إلى فهم الظاهرة وتقديم المسألة من خلال مساءلة النصوص التراثية. والعمل هو بحث في تمثّل هذه النصوص للأقليات أو ما كان يسمى "مللا ونحلا" أي في الصور التي تنسج عن هذا الآخر الضعيف عددا ووزنا والمستضعف أحيانا.

    اشتغالنا على المسألة يركز كل الاهتمام على مسألة المخيال والصور النمطية التي قد تحدد التصورات العامة لهذه الأقلية او تلك، وقد يذهب البحث الى بيان الاختلاف الفعلي بتقديم الدليل العلمي على الفرق بين التمثلات وواقع الحال. ومعرفة واقع الحال هو مطلب معرفي.

     

     لكن هذه المعرفة بالماضي قد تساعد المهتمين في الحاضر بالمسألة على إيجاد مادة علمية يمكن ان يستفيد منها لضمان الاحترام وان يؤسس لمعرفة تقود نحو الاطمئنان للآخر وتضمن بذلك نوعا من السلم الاجتماعي في المجتمعات التي تتعدد فيها الطوائف او الاعراق من قبيل المجتمعات العراقية واللبنانية أو الهندية الخ.

    وفي بعض الانتكاسات والخسارات عرفت بعض المجتمعات العربية الاسلامية موجة من الإقصاء والتشريد الذي تعرضت له اقليات كان لبعضها تواجد قرب النيل والفرات منذ 1500ق م ونذكر من الاقليات التي تعرضت لملاحقة بعض الميليشيات الصابئة والايزيدية والكلدواشوريين. ومن الضروري في هذه المواضع ان يساهم البحث الرصين في التذكير بانفتاح المجتمعات الاسلامية على غير المسلمين في فترات طويلة من تاريخها.

    طبعا بعض الجهات تسعى ربما الى استغلال قضية الاقليات لضرب وحدة المجتمعات، لكن في هذا الموضوع يجب الفصل بين الحقوق المشروعة والتي جاءت في العهود والمواثيق الدولية التي تضمن تمتعهم بمبادئ عدم التمييز على اساس العرق او الدين وبين من يستعملون قضية عادلة لغايات سياسية. كذلك لا بد من التمييز بين البحث العلمي الموضوعي ومتاهات اللعبة السياسية، فمهمة الباحث هي شرح المسائل والتعمق في لطائف الامور.

    وأحد غايات البحث هي المساهمة في رفع اللبس حول معرفتنا بالاقليات وفي الفصل بين المعرفي والايديولوجي، هناك اقليات تفوق وطنيتها وطنية بعض افراد ينتمون الى الأغلبية، وهي اقليات برهنت عن اهتمامها وولائها لوحدة المجتمع الذي تنتمي اليه.

    وكل ما في الامر ان احترام الاقلية هو صنو لاحترام الاغلبية وان مراعاة حقوق الاقليات يعبر عن اجواء تحس فيها الاغلبية بالامن الاجتماعي خاصة.

    اعتقد ان الازمات الاقتصادية والمآزق الثقافية تعود بالوابل على الاغلبية التي تنكفئ على نفسها وترى ان الحلول تكمن في معاقبة هذا الاخر واستضعافه او اقصائه أو طرده ويكفي ان نشير إلى تعامل البعض في الاتحاد الأوروبي مع مسألة الغجر.

    6-هناك جدل محتدم حول الحجاب وما تفرع عنه من تنويعات كالنّقاب والبرقع فماهي الأسباب التي تؤدّي حسب رأيك الى عودة هذه الأنماط من الّلباس؟

    الإطار العام

    تكمن مهمة الباحث خلافا لما يقوم عليه المنطق السجالي، في التحليل المحايد لموضوع الدرس وتنسيب الرؤى التّي تروم التعميم والتي تمثل المسائل على أنها إما أسود أو أبيض لا درجة لونية بينهما. وقد قيل الكثير في هذا الموضوع وسنحاول ألا نعيد كلاما تكرر بل أن نضيف شيئا من التساؤلات والملاحظات لا غير.

    في البدء لا بد من تنزيل المسألة في إطار عام يهمّ كلا الجنسين ذكورا وإناثا ويتمثل في عودة الشّعور الديني. ولا بد من تنزيلها في سياق عالمي فالجدل حول الحجاب يظهر مؤخرا بين الحين والحين في أوروبا خاصة حيث بدأت الاقليات الإسلامية منذ أكثر من عقد تستفيد من مناخ الحريات وتطرح إشكالية حرية المعتقد وطرائق ممارسته في الديمقراطيات الغربية.

    ولا بد من تنزيل المسألة في إطار الحاجة إلى حسم التساؤلات حول من نحن ومن نريد أن نكون، فقد وصلت الديانة الإسلامية الى قرنها الخامس عشر وهذه الحركيّة التي تشهد اليوم تعبر عن تغيير ضروري وإصلاح بات وشيكا وملحّا. وما بعض التعبيرات المتشنجة إلاّ ترجمة لمخاض سائر نحو ما عرفته ديانات أخرى من مراجعات وإصلاحات سمحت لها بالاستمرار في التاريخ؟

    ولكن في ما يعلق باللباس تحديدا؟

    أنماط اللّباس التي تتحدثون عنها هي أحد مظاهر هذه الحاجة التي أصبحت منتشرة في العالم الإسلامي،  إلى حسم التساؤلات حول من نحن ومن نريد أن نكون، وفي غياب المعارف والتنمية والعلم وفي غياب مشاريع حضارية واضحة وحقيقية لا تختزل وجود الجموع في بعد واحد قد يستحيل هوسا خانقا. في غياب آفاق ثقافية وتكنولوجية واستراتيجية تطرح ما يليق بالعالم الإسلامي من تموقع ضمن التوازنات العالمية الجديدة، يكون الجواب عبر التشبث الحرفي ببعض الرموز الظاهرية وعبر التمسك بشكليات الطقوس أي عبر الميل إلى ما يعبر عن الانكفاء على الذات.

    نحن نقول: لعل عدو الرجل والمرأة وعدو الدين هو الجهل الذي يتجلى من خلال بعض السياسات الغربية الخارجية التي تنم عن تقصير في تنمية المعرفة بالعالم والتاريخ الاسلاميين ومن خلال تأويلات السلفية السياسية الدينية التي تذهب احيانا الى تأويلات تعبر عن غياب لمعرفة مقاصد الرسالة. وأنماط اللباس التي توافق مناطق جغرافية وثقافية محدّدة من قبيل البرقع والنّقاب هي نتيجة وليست سببا، وإن أردنا فهم مجريات الأمور يجب معالجة فهمنا لاسباب هذه الأنماط من التأويل.

    ما هو الرهان إذا؟

    والمسألة مركبة ومعقدة فإن كان من البديهي أن تحترم الاختيارات الفردية، فإنه كثيرا ما تستغل الجهات التّي تسعى الى تسييس المسألة انتشار مظاهر التدين الخارجية للترهيب وللإيهام بأنها أصبحت تحظى بقواعد شعبية.

     وعلى الباحث الصادق ألا يحكم على هذا التدين الذي يبقى مسألة فردية قبل كل شيء، تحترم فيها حريات الافراد الشخصية بشرط الا تضرب مبادئ الجمهورية أوقوانين الاحوال الشخصية وألا تضرب الأعراف السائدة.

    هل يمكن حصر الأسباب الرئيسة الكامنة وراء الظاهرة؟

     لا يمكن حصر الاسباب في هذا الحيز البسيط ولا يمكن حصرها في كلمات فالمسألة معقدة شيئا ما وسنحاول المشاركة بالإجابة على هذا السؤال العويص دون الادعاء أننا أمسكنا كل معطيات الإشكالية:

    غياب مشاريع حضارية واضحة في المنطقة العربية الإسلامية

    و يبقى الحجاب جوابا على غياب الجواب في مسألة الهوية ونتيجة لعولمة لم تستثمر في الارتقاء بالمستوى الثقافي للجموع:

    وإن أخذنا مثال البلاد المصرية وهي مقياس مركزي (شئنا أم أبينا) لحرارة العالم العربي، فإننا نلحظ عدم حسم في مسألة هوية الدولة الوطنية المستقلة، ينضاف إليها تراجع الطروحات الماركسية والقومية والاشتراكية. فالعولمة ساهمت في بلورة شخصيات ضعيفة لدى بعض الشباب، شخصيات تستمد وجودها انطلاقا من ظاهرة المحاكاة، طالما انها لا تجد مبادئ قوية تؤمن بها فبعد انكفاء فكرة القومية وفكرة الاشتراكية لم يبق لها بدائل مقنعة ومحفّزة وقوية تتشبث بها. أما فكرة الديمقراطية فهي تشق طريقها في مصر لكنها تعاني من أزمات التنمية وأزمات الاقتصاد العالمي وتحتاج الى توطيد الإدارة الرشيدة.

    وفي غياب هوية واضحة يرتكز عليها الشباب المصري، هوية من شأنها ان تعبّر عن حاجياتهم وأن تسد آمال هذه الاجيال المتعطّشة إلى معرفة الوجهة التّي يجب اتخاذها. وفي غياب عديد المحدّدات تكون أشكال التدين الشعبي أحد ردود الفعل الطبيعية.

    هناك إذا وعي جديد بضرورة التمسك بأي معطى ثقافي ذي معنى وفي غياب أفكار جديدة وبدائل مقنعة وحاملة لقوة جذب شعبية جاءت فكرة العودة الى اشكال التدين المادي لتعبر عن ذعر الجموع وضياعها. ويبقى الحل طبعا في العمل وفي الابتكار لكن في اجواء لا يحس فيها الفرد بالاعتزاز والنخوة بمن هو، يجب قبل كل شيء إعادة بناء هذه الشخصية ومقوماتها.

     

    وتنضاف إلى ذلك الحاجة الملحة لتنظيم ما يبث وما ينشر على نطاق شعبي واسع في بعض الفضائيات من أحكام ومعلومات قد لا تصدر عن مرجعيات دينية لها الأهلية العلمية والقدرة على الحسم والفصل بين الغث والسمين. فنشهد أحيانا في نفس القضية خصومات وتأويلات تذهب الى حد التناقض فيدخل البعض في مزايدات لا نهاية لها، يكتسي فيها غالبا مبدأ التعسير لون الجدية ويدخل المشاهد في دهاليز لا مخرج منها.

    وهم الفجوة الجديدة بين الإسلام والحداثة

    ومن الاسباب التي تقبع وراء الحل الديني، اهتزاز صورة الحداثة وأؤكّد هنا على كلمة صورة فنحن لسنا بصدد الحديث عن الحداثة بماهي مبدأ ومطلب ، بل بعلاقة الجموع بها، فإن لم يُتح لهذه الجموع تعلم لغات غربية أو الاحتكاك الفعلي بهذا الآخر عبر السفر واللقاءات البشرية المثرية فإنّها ستنشأ على عدم معرفة هذا الآخر وهو أقصر طريق لبناء الصور النمطية والكراهية في علاقتنا بالآخر.

    وإذا واصلنا التفكير في الفجوة التي نشأت مؤخرا بين الجموع الإسلامية وبين قيم الحداثة فإن من أسبابها: تقلص البرامج الغربية وتحديدا الأوروبية والمتوسطية المرصودة لتصدير ثقافاتها وهو نتيجة طبيعية لانتهاء الحقبة السوفياتية والاشتراكية، وظهور عولمة لم تستثمر في الثقافة بدعوى أنها لا تخضع لمنطق التجارة المربحة. ولم يفكر أقطاب النظام العالمي الجديد في السّلم الثقافي بين البلدان الذّي هو أحد مقومات السلم الاجتماعي والازدهار الاقتصادي.

    ومن أسباب الفجوة إغلاق الحدود والتضييق على الرّاغبين في عبور الحدود من جنوب المتوسط الى شماله ومن العالم الإسلامي إلى العالمين الأوروبي والأمريكي منذ 2001.

    ماذا بقي إذا للمسلم البسيط وللمسلمة البسيطة سوى الانكفاء على النفس ومحاولة التّشبث بأية قيمة لا تزال تتمتع بشيء من التماسك، وماذا بقي سوى قارب النجاة الأخروي الديني بعد سلسلة من الانتكاسات والخسارات.

    المحدد الاقتصادي

    وهناك اسباب أخرى عديدة أهمها المعطى الاقتصادي، الذي يبقي في رأيي المتواضع مربط الفرس، فماهو موقع العالم الاسلامي اليوم في العالم؟

     فالقوة الوحيدة التّي يمثلها هي قوة العدد، عدد الشعوب المستهلكة أو بعض الشعوب المنتجة للثروات الطبيعية. رغم أنه لا بد من الإقرار بأن هناك بلدان إسلامية مصنعة ومنتجة للتكنولوجيا مثل أندونيسيا والباكستان وايران وتركيا. ومن الاعتراف بأن العالم العربي لم يصل &#


    1 commentaire
  • لتطمئنّ نفسي

      

     

    "يرى أركون في عمله تاريخية الفكر العربيّ([1]) أننا في حاجة إلى الاطلاع على الأعمال الاستشراقية، لفتح مساحة للتفكير الحرّ في المسألة الدينية، حتّى يقع استبدال مناخ »اللاّثقة« السائد بحوار علمي إيجابي."

     

     

     

    اشكر مجلة حقائق على فرصة المشاركة في تطارح بعض المسائل وتقديم بعض الاجابات التي تبقى قابلة للتطوير والتعديل والتي تعي حدود ما قد يصل اليه جهد الفرد الذي يحاول وسعه المساهمة في اثراء الحوار عبر أجوبة هي اساسا تساؤلات ومحاولة لتقديم نتاج تراكمات يعود الفضل فيها الى ما حصل بفضل ما سمحت به تجربة بحث ودرس مازالت في مسار البدء.

    1-   لديك اهتمام بالاستشراق الانجلوسكسوني فما هي الإضافة التي تقدمها هذه المدرسة الاستشراقية؟

    يقودنا السؤال إلى النّظر في دواعي اهتمامنا بهذه المدرسة وهما على الأقل سببان الأول هو الرغبة والحاجة إلى إثراء مكتبة البحوث بالنظر فيما  ينشر في الجامعات الانجلوسكسونية وخاصة في الأقسام التي تهتم بتدريس اللغة العربية وتلك التي تعنى بدراسة الشرق الأدنى (Departments of Near Eastern Studies) ، والثاني هو ضرورة الاهتمام بنظرة هذا الآخر الذي يتحكم في مصائرنا فهذه الأبحاث والقائمون بها يشتغلون أيضا في المراكز البث الاستراتيجية التي تخطط لسياسات الشرق الأوسط ومنهم من يستشار في الكونغرس، لذلك كان لزاما علينا أن نفهم تمثلات هؤلاء عن الثقافة العربية الإسلامية.

     ولا بد من الاشارة الى وجود أكثر من تيّار انجلوسكسوني في حقيقة الامر فإن كانت تجمعهم ثقافة ولغة واحدة، فإنه لا مناص من الحديث عن مدارس مختلفة المشارب. أما المدرسة التي اخترنا الاشتغال عليها فلها خصوصيات وقد اخترنا مايكل كوك وباتريسيا كرون[2].

    وسأستفيد في جوابي حول إضافات هذه المدرسة، ببعض ما ورد في كتابي الإسلام المبكر الاستشراق الانجلوسكسوني الجديد[3]. " لعل مزيّة الباحثين في هذا التحرّر من قيود السائد، هي الجهر بما سكت عنه مستشرقون سابقون. وقد عمل الباحثان بشكل مكثف على مجموعة من المصادر غير الإسلامية* أو المصادر الخارجية المعاصرة لزمن النشأة والتي تمثل شهادة وقع في رأيهما إقصاؤها إلى يومنا هذا، والمقصود بالخارجية أنها دوّنت خارج دائرة المنظومة الثقافية الإسلامية. كما أنهما سيحاولان تنزيل الإسلام "المبكر" في محيط الحضارات القديمة وفي الفترة الموافقة لأفول هذه الحضارات. "

    "وقد أعلن الكاتبان أنهما اعتمدا مقاربة جديدة تختلف عن سابقاتها من حيث تحررهما من القيود التقليدية واستقلالهما عن التقاليد السائدة في حقل الإسلاميات. واعترفت كرون أنها حاولت بمعية مايكل كوك أن تضع بشيء من "التهوّر والطّيش" أسس طرح فكري متناسق في حقل لا تزال أغلب معارفه في حاجة إلى حفريات عميقة. فقد أرادا أن يؤكّدا لذلك القارئ الذي فقد إيمانه ولم يفقد اعتزازه بجذوره الإسلامية، أن لغتهما التقييمية في تحليل الفترة التكوينية للحضارة الإسلامية، لا ترنو إلى إضافة أحكام تبسيطية ضدها أو لصالحها." " وأهم مقومات هذه المقاربة هي نزوعها إلى نقد النّصوص والمصادر الإسلامية. وهي مقاربة مستوحاة من النقد "الليبرالي" للعهدين القديم والجديد[4]. وكان غولدزيهر وشاخت وفلهاوزن أبرز من قام بتطبيق هذا المنهج النقدي في الاستشراق الكلاسيكي".

     

    و نجد هذه الرؤى في الواقع عند هنتينغتون وفوكوياما وعند المحافظين الجدد الذين عادوا بقوة مؤخرا، ولم تتطور طروحاتهم كثيرا عن نظريات الصّدام والعنف: إذ "يرى المؤلفان أنه يمكن تفسير انتشار الإسلام بنشأة حركة الفتوحات ولكن النجاة التي وقع إجهاضها في الإسلام "الأرثوذكسي" السنّي، يمكن أن تتواصل في "مهدية" الشيعة. وفي المناطق الحدودية النائية والقصيّة ويمكن للحضارة التي قمعتها السنّة أن تتواصل في الشيعة والصوفيّة. إن الدولة الإسلامية ليست ممثلة بشكل جيد في الواقع الحالي الهمجي للدول الإسلاميّة ولكنّها تسجّل حضورها بشكل متقطّع في التّصادم مع غير المسلمين أو"الكفار".

    " إنّ نصوص القرن الثّامن وبشكل أخصّ نصوص أواسط القرن الثامن اليهودية والمسيحية أوالإسلامية، تنتمي إلى نفس الأفق الفكري وإلى نفس التصوّرات المعرفية والأساليب اللغوية أوحسب العبارة الفوكولتية إلى نفس »الابستيمية«. لقد اتّهم الباحثان النصوص العربية بعدم الموثوقية وبكثرة النحل انطلاقا من دافع بناء الدولة الإسلامية ومن انتماء واضعي هذه النصوص إلى "نخبة" متواطئة مع سلطة سنية حاكمة ومن حاجة العلماء إلى تقديم صورة مثالية ومتماسكة عن الدين الذي رفع شأنهم"

    إذا أردنا أن نلخص إضافات الاستشراق عموما وإضافات هذا التيار خصوصا فإن الاستشراق قدم لنا خدمات جليلة من حيث تقديمه واستعماله لمناهج وادوات درس جديدة لتراث نصي تمّ تركه لأكثر من خمسة قرون. بالإضافة إلى الأدوات المنهجية، ساهمت هذه المدرسة في تحقيق كم لا يستهان به من المدونة التراثية، وقد أجادت انتقاء النصوص وأحسنت في كثير الاحيان تقديمها والتعليق عليها.

    أما هذا التيار فقد أضاف على علاته بعض التساؤلات. وقد توجه اهتمامي في كتاب الاسلام المبكر الى تقديم اطروحاتهم وتمثلاتهم للإسلام في فترة النشأة في مرحلة اولى، ثم إلى تفكيك الهنات العلمية في ما نطقوا به وما سكتوا عنه. هذه التساؤلات تهم ضرورة نقد بعض المصادر التي يسمونها مصادر داخلية Internal Sources أي مصادر منتمية الى المنظومة الاسلامية وحاملة لرهاناتها. إذا نبهنا الباحثان الى ضرورة تنزيل الشهادة الاموية داخل اطارها والشهادة التي كتبت في ظل الحكم العباسي في اطار العداوة مع الخلفاء الامويين، الى غير ذلك من الاعتبارات. كما نبهانا الى ضرورة التعاطي مع النصوص باعتبار أنها شهادات دونت بعد 150 سنة من الدعوة أي بعد حوالى خمسة أجيال من المرحلة الأولى مما ينبهنا إلى أن هذه النصوص ليست بالموثوقية الآنية التي اعتقدنا لفترة طويلة.

     

    2-   لماذا لم تتخلص هذه المدرسة حسب رايك من بعض مضمرات ومسلمات الدراسات الاستشراقية ؟

    طبعا، لهذه المدرسة هنات كثيرة، فهذه الطروحات الناقدة للإسلام السني لا تحسن التمييز بين المالكية والوهابية فتلتقي بذلك مع تمثلات بعض صقور المحافظين الجدد الذين ينزعون إلى اختزال الاسلام في تعريف تبسيطي. فهم يعتقدون في وجود إسلام معولم يحمل نفس السمات من افغانستان إلى موريتانيا بينما يبدو الواقع شديد الثراء والتنوع بالقياس الى هذه الصور النمطية التي تذهب الى الاعتقاد في وجود إسلام شامل A global Islam. هذا إذا خطاب ينطلق من منطق شمولي ينزع الى التعميم وينأى عن التّحليل فيقارب المسألة كما لو كان الإسلام حزمة من الخصائصviewing islam as a package  التّي تتكون من نفس المعطيات والحال أنّ التأويلات عديدة وحمّالة أوجه وأن الرّؤى متعددة وأن الاختلاف رحمة في غالب الأحيان.  

    يتّسم عمل الباحثين بخطاب تاريخي يكتسي شيئا من الضّراوة والعدوانية تجاة تاريخ الإسلام، ولعلنا نفهم اسباب الضراوة إذا ما عرفنا أن استاذهم هو المؤرخ برنارد لويس. ويبدو أن الباحثين يواصلان هنا تقليدا استشراقيا يتمثل في الاهتمام بالنصوص السامية القديمة. وللأسف فإننا لم نستطع في هذا المستوى من عملنا الإطلاع على جلّ المصادر غير الإسلامية ولكننا لاحظنا أن هذه المصادر ماعدا نص القصيدة التي تعود حسب المؤلفين إلى 634م والتي لم تنشر بعد عند طبع مُؤَلفهما ولم نجد لها أثرا في كل المكتبات التي ارتدنا أو عند بحثنا عبر "الأنترنيت"، تعود إلى فترة ما بعد الفتوحات مما يجعلها مندرجة ضمن الأدب السجالي الديني الذّي دار بين رجال الدين من مسيحيين ويهود إثر انتشار الإسلام وهو ما يدعونا إلى توخّي الحذر في التعامل معها لأنها تتعامل مع الحدث الديني الإسلامي تعامل المَغزُوِ الذي يجب أن يدافع عن وجوده.

    إنّ هذه النصوص تمثل مصادر مهمّة ومثرية لكننا نحترز من الموقف القائل بأنها أكثر موثوقية من النصوص العربية، وإنها قادرة على إخبارنا عن الفكر "التيولوجي" للقرن السابع وهو ما لا يتسنى للنصوص العربية التي يعود معظمها إلى أواسط القرن الثامن. هل تفطن الباحثان إلى هذا الخطأ المنهجي؟ وهل تراجعا عن تفضيلهما لهذه النصوص؟

    إنها في رأينا " نصوص تكتسي نفس القيمة التاريخية التي تكتسيها النصوص العربية من حيث قدرتها على إخبارنا عن ظروف تشكل الدين الإسلامي في فتراته الأولى. وقد تكون أقل قيمة من النصوص العربية في بعض الأحيان على الأقل فيما يتعلق بالنصوص الأرمنية واليونانية التي فضلها الباحثان على النصوص العربية في حين أنها نصوص بعيدة عن المحيط الجغرافي الإسلامي الأول. فالمعلومات التي نجدها فيها تكاد تكون بضعة أخبار متفرقة عن حدوث شيء مثير بجزيرة العرب لا غير. إذ أن طبيعة جغرافية الجزيرة العربية منعت وجود اتصالات كبيرة بين الشعوب الأرمنية واليونانية والقبائل العربيّة في بداية الدعوة."

    إذا هناك في عمل هذا التيار الانجلوسكسوني تهافت منهجي وتهافت لخطاب[5] يلبس لبوس العلم ويحمل سمات الخصومة والسجال.

    ونصل بذلك عند رواد هذا التيار، إلى ما ذكرنا به أستاذ الإسلاميات نورمان دانييل في كتابه الإسلام والغرب أي إلى "خطاب يرتد الى مستوى الجدل القروسطي من كلا الطرفين، أي من جهة بعض المتكلمين باسم الدين السلامي وكذلك مما يرد عن بعض المتحدثين ضده".

    3-   هناك من الباحثين العرب من يعتبر انه لا بد من تاسيس علم الاستغراب في مواجهة الاستشراق كيف تنظرين الى هذا الرّأي؟

    إذا ما عدنا الى عمل حسن حنفي مقدمة في علم الاستغراب[6] فإننا سنجده يضع "علم الاستغراب" في مقابل "الاستشراق". ثم يحدثنا عن "تكوين الوعي الاوروبي بما هو إثبات لتاريخيته لأنه ليس وعيا عالميا يمثل جميع الحضارات بل هو وعي خاص لصيق بظروف خاصة"، لكن إن تركنا جانبا هذه المسألة، فإنه لا بد من الإقرار الحضارة الأوروبية تبقى حضارة تقدمت بالبشرية وقدمت لها ولا يمكن للحكيم إلا أن يأخذ منها دروسا في أكثر من مستوى منها المستويين المعرفي والتكنولوجي. وهذه الدروس لا يجب أن تثنينا على نقد بعض السياسات المتناقضة من جهة وعن حب الاطلاع على ما يجري في الغرب من اكتشافات وما يحصل في ميادين شتى من جهة أخرى.
    وإن كان الاستشراق قد اقترن في ما مضى بالاستعمار وبغايات أساسها الهيمنة على "الشرق" عبر معرفته
    [7]. فإن الذي يريد أن يفهم الغرب ويحلم بأن يستعيد هيبته في موازين القوى الكونية لا بد له من ممارسة نوع من الاستغراب. أي من جمع معرفة واطلاع يسمح للمستغرب بامتلاك وسائل إفحام الغربي ووسائل التفوّق عليه. الاستغراب هو ربما مرحلة اساسية أما العودة إلى الماضي فحسب فستحبس الآفاق في تاريخ لا يملك كل مفاتيح الانتصار الحضاري في المستقبل.         

    وربما كان على العرب والمسلمين التفكير في طرائق الاضطلاع بمهمة تكوين لوبيات قوية في كل العالم للدفاع عن مصالحهم وعن ثقافتهم الراقية. وعوض هذه المبادرات لتصدير حقيقة وجدانية تهم الافراد بالأساس وتتعارض أحيانا وحريات الاخرين وتتنافى مع مبادئ احترام حق الاختلاف في هذا الصدد. كما يجدر بهم في رايي أن يسعوا الى التألق في مجالات يحذقونها مثل التجارة... فكم نحن في حاجة إلى بعض النجاحات وإلى حضور إيجابي في سياق الحاضر وكم نحن في حاجة إلى إبراز زوايا الضوء في هذا العالم العربي الإسلامي الممتدّ.

    ونذكر ان الثقافة العربية الاسلامية تتكون من مزيج من المعطيات لا يمكن اختزالها في الديني، فهي ثقافة برزت في الطب وفي علوم الفلك والجغرافيا والادب فلماذا نسينا ان معركتنا ليست معركة تسويق وفرض لرؤانا على الآخر بل هي معركة تنمية وتصنيع.

    4-   هذا الجدل يحيلنا بشكل او بآخر إلى العلاقة التي تتعدد حولها الاجتهادات بين العلوم الانسانية ودراسة الظاهرة الدينية في مختلف تمظهراتها خاصة وأن البعض يحاول من خلال الاشارة الى ما يرتبط  بهذه الظاهرة من قداسة وضع قيود على تعاطي العلوم الانسانية مع الظاهرة الدينية فما هو رأي الاستاذة آمنة الجبلاوي؟

    ما سيرد في جوابنا هو محاولة لرصد الأسباب وفهم الظّاهرة ولا علاقة للجواب بمشاعر الناس ومعتقداتهم وعاداتهم الثقافية والاجتماعية. ولا يشك عاقل في أن تحليل المسائل لا يمس من الاحترام المرصود للشأن العقديّ. وما يحاول البعض الإيهام بأن العلوم الإنسانية والمعارف الحديثة لا يمك 


    1 commentaire
  • قراءة في التحفّظات العربية على اتفاقية "السيداو" CEDAW

    هل هي خصوصية ثقافية أم خصوصية عربية؟

    الاربعاء 29 كانون الأول (ديسمبر) 2010

    بقلمآمنة الجبلاوي  


    http://www.alawan.org/local/cache-vignettes/L300xH378/arton8979-a2e69.jpg

    نتساءل اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، عن مسارات التحول الديمقراطي وبناء الدولة الحديثة في العالم العربي وفي المغرب العربي إذ نلحظ بعض التراجعات في دول المنطقة التي اعتبرت قبل زمن قصير نماذج تحتذى في هذا المضمار.

    واخترنا في هذا الاطار ان نطرح موضوع انخراط الدول العربية عموما والدول المغاربية خصوصا في منظومة العهود والمواثيق الدولية، وهو انخراط تسجل به هذه الدول انتمائها إلى المجتمع الدولي. وتسجل بذلك انضواءها ضمن أطر قانونية كونية تنظم العلاقات بين الدول الأطراف.

    صادقت الدول العربية على ترسانة هامة من العهود والمواثيق الدولية، ممّا يندرج ذلك ضمن رغبة هذه الدول في التّفاعل مع المحيط الدولي، كما يندرج في ما يمكن أن يعدّ مبادرات لتأسيس الدولة الحديثة.

    ومن مقوّمات هذه العملية التأسيسية والتحديثية وضع منظومة تشريعية محلية ودساتير وطنية، إضافة إلى التموقع ضمن المجموعة الدولية كما اشرنا إلى ذلك من خلال الانخراط في الصكوك الدولية. وتعدّ اتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة المسماة اتفاقية "السيداو" CEDAW، احدى الاتفاقيات الدولية التي انضمّت إليها الدول العربية والمغاربية.

    وقد صادقت الدّول العربية عليها مثل غيرها من الدول مع تقديم تحفّظات على بعض المواد والبنود مثل غيرها. وسنحاول من خلال ورقة العمل هذه تحديد نوعية هذه التحفظات وأن نفهم اسباب اختيارها ونقترح قراءة انخراط الدول العربية عموما والمغاربية خصوصا في هذه الاتفاقية. لا بدّ لنا في هذا الإطار أن نشير الى أن التوقيع على هذه الاتفاقية يعد في حدّ ذاته تحديثا هاما وقبولا بمبدأ كونية القانون الدولي. وذلك رغم التّحفظات التي ارتبطت بالجانب الثقافي والتي تستحق ان نعمق دراستنا حولها، ونشير في هذا السياق إلى تفاوت مستوى التّحفظات والتطبيقات … ولذلك كان لا بد من الفصل بين الثقافي وبين ما علق به من إرث ذكوري أبوي. ويبين الاشتغال على هذه التحفظات ان مسار التحديث يمرّ عبر تطوير مقاربتنا للقانون الدولي وعبر إعادة النظر الدورية في التحفظات قصد سحب بعضها والتراجع في البعض الآخر.

    تعد المواد والفصول المتحفّظ عليها شبه متطابقة في المغرب العربي وفي العالم العربي وفي بقية العالم الاسلامي وفي العالم عموما.

    ومن خلال اعتماد منهج القانون المقارن يمكن أن نتحدث عن وحدة مغاربية توفقت وعن وحدة عربية نجحت في وحدة صياغتها للتحفظات المعلنة على اتفاقية السيداو.

    وأحيل الباحثين المهتمين بدراسة نص الاتفاقية على عدد من المواقع الالكترونية المهتمة بالموضوع.

    ولا بد في البداية من التعريف باتفاقية "السيداو": 

    تاريخ نشأة الاتفاقية:

    اعتمدت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة سنة 1967 إعلان القضاء على التمييز ضد المرأة وبدأت لجنة مركز المرأة في الامم المتحدة سنة 1972 استطلاع رأي الدول الاعضاء حول شكل ومضمون صك دولي بشأن حقوق المرأة بما هي إنسان. وأنهت اللجنة المكلفة بصياغة نص الاتفاقية بمركز المرأة سنة 1979 إعداد النص. وتم اعتماد الاتفاقية وعرضها للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المؤِرّخ في 18 ديسمبر 1979 وبدأ تاريخ نفاذها في 3 سبتمبر 1981

    هيكلة التحفظ القانونية:

    ظهرت جملة من التحفظات مع التصديق على اتفاقية السيداو، وهي تحفظات تكررت في أكثر من إعلان انضمام للبلدان العربية، وشملت التحفظات اساسا التحفظ على المادة2: 1 وتهدف المادة أو تهمّ تجسيد مبدأ المساواة في الدساتير والتشريعات وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدأ.

    المادة 9 : تهم جنسية الأطفال وتدافع عن مبدإ اكساب الابن جنسية الأم.

    المادة 15: تهم المساواة بين الجنسين أمام القانون مثل الحقّ في إبرام العقود

    المادة 16: تهم مبدأ عدم التمييز فيما تنتظم به علاقات الزواج وقوانين الأسرة "سن الزواج".

    المادة 29: حق الدولة الموقعة على الاتفاقية في إعلان عدم التقيّد بنظام التحكيم في حال نشوء خلاف بين الدول

    مواضيع التحفّظات:

    تشمل التحفّظات مواضيع راهنة هامّة يتعلق بعضها بتنظيم تشريعات الأسرة، ومنها ما يتعلق بالحضانة والوصاية والولاية والقوامة والإرث وجنسية الابناء وزواج الاطفال وتعدد الزوجات والحق في الطلاق والنفقة وزواج المسلمة من غير المسلم. ونذكر ان هذه الورقة تهتم بالبلدان المغاربية وجنوب المتوسط ولكن عملنا يقارن دائما البلدان موضوع الدرس بالمحيط العربي وبالمحيط الاسلامي الاوسع.

    واذا ما نظرنا الى البلدان العربية التي تعرف بعض المشاكل الجديدة في مستوى مصادقتها على السيداو، فإنّ العراق يطرح اشكاليتين : إشكالية أولى هي مسألة تعدد الأديان والأعراف مما يطرح مسألة ضرورة الاحتكام الى تشريعات تتعالى على الغوص في الخصوصيات على ألا يقع تفضيل دين على آخر أو عرق على آخر. وإشكالية ثانية تتمثل في إقرار الدستور العراقي الجديد سنة 2005 دون ادراج فصول قانونية تشير إلى اعتراف الدستور الجديد بالاتفاقيات الدولية التي وقّع عليها العراق في الماضي

    الملاحظات والتوصيات:

     وكما ذكرنا سابقا فإنّ التصديق والانضمام لاتفاقية مناهضة كافة اشكال التمييز ضد المرأة، يُعدّ خطوة نحو بناء تشريعات أو الانخراط في تشريعات دولية تساهم في بناء الدولة الحديثة.

     لكن لا بدّ من تقديم عدد من الملاحظات التي ينبغي على سائر المهتمين بالشأن الحقوقي التفكير في حلول لها :

     * هناك ثلاث فجوات أساسية تحكم مسار انضمام دول المغرب الكبير والدول العربية لاتفاقية "السيداو"، وهي الفجوة بين التحفظات العربية وأهداف الاتفاقيات. فهي تحفظات من شأنها أن تسهم في إفراغ الاتفاقية من مضامينها وغاياتها (لأن المواد المتحفظ عليها وهي خمس أساسا المادة 2 و9 و15 و16 و29 وهي التي تهم جنسية الاطفال والـ… (ص3)) وفجوة بين بلدان المغرب العربي وبعض البلدان العربية في المشرق والخليج وفجوة اخيرة بين بلدان المغرب العربي نفسها.

     * وإن كنا نتفهم حيطة البلدان من قبول الانخراط في منظومة التحكيم ونتفهم التحفظ الذي سجلته الدول على المادة 29 من الاتفاقية. فإن الفقرة (و) من المادة (2) تعد في صميم اشكالية العلاقة بين ما يدعى احيانا خصوصية ثقافية وبين مبادئ الاتفاقية ككل والتي تقوم أساسا على إلغاء التمييز. وجاءت في الفقرة (و) دعوة للبلدان المصادقة لاتخاذ جميع التدابير المناسبة بما في ذلك التشريع لتعديل او لإلغاء القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات القائمة التي تشكل تمييزا ضد المرأة.

     وإذا ما حاولنا مقارنة موقف البلدان العربية من الاتفاقية ببلدان اسلامية تقدمت في مسار إرساء التجربة الديمقراطية ومسار تحديث الدولة فإننا نلاحظ ما يلي :

     1 - النموذج التركي : عندما ننظر إلى الجار الجغراسياسي والثقافي التركي فإنه لا يسجل الا تحفظا واحدا حول الفقرة الاولى من المادة 29 فحسب، وبذلك يظهر لنا هذا البلد الاسلامي أن قراءته لمسألة الغاء التمييز لا تتعارض مع قوانين البلاد ولا مع مقومات ثقافته وخصوصياته.


     2 - النموذج الباكستاني : أما الباكستان فلم تتحفظ هي الأخرى سوى على الفقرة الأولى من المادة 29 : والتي تتعلق بإمكانية خضوع البلد المصادق لمحاسبة بلد مصادق ثان ولمساءلة قانونية دولية، وهي بذلك فقرة تضعف من سيادة البلد الممضي على اتفاقية السيداو. لذلك جاء التحفظ عليها من أكثر من بلد حتى خارج الدائرة العربية الإسلامية.


     3 - النموذج التونسي: تونس غير متحفظة على المادة الثانية وهي مادة هامة جدا في آلية السيداو لأنها تلك التي تُلزم البلد المتعهد باتخاذ كل التدابير التشريعية والتنفيذية لإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة وقد سحبت تحفظها على المادة 9 في 2006.


     4 – النموذج الاسباني : اذا ما نظرنا الى هذه الملكية الأوروبية غير العربية وغير الاسلامية فإن اسبانيا لا تتحفظ على أية مادة من مواد الاتفاقية لكنها تملي شرطا وهو ألا تمسّ هذه المواد من التاج الملكي.


     5 - النموذج المصري : أما النموذج المصري فهو يعكس النموذج التقليدي ويعكس بشكل جليّ ووفيّ صورة للتحفظات التي عبرت عنها أغلبية الدول العربية الإسلامية. فهي تتحفظ الى حين تقديم هذه الورقة على المواد الخمس التي تحدثنا عنها وهي المواد 2 و9 و15و16و29 .

     6 - النموذج الموريتاني : هناك آليات تعتمد حاليا لاحترام السيداو. ووفقا لرئيسة إحدى المنظمات FNPDFE المنتدى الوطنى للنهوض بحقوق المرأة والطفل، هناك إجماع بين جل علماء الشريعة الموريتانيين على تطبيق جميع أحكام الاتفاقية باستثناء المادتين 15 و16 وهما تقومان على المساواة في الحقوق والواجبات والمساواة أمام القانون بين الزوجين. ويرى ممثلو هذه المنظمة أن هذه التحفظات قد تهدد بإفراغ هذه الاتفاقية من مضمونها

     7 - هناك بلدان لم تصادق على الاتفاقية وهي سبعة بلدان منها : إيران والسودان والصومال والولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ في هذه المجالات مواقف ثقافية.


     8 - النموذج المغربي : رفع المغرب في 10 ديسمبر 2008 بمناسبة ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الانسان الستين كل تحفظاته على السيداو. وهذا نموذج يعبر عن رغبة المغرب في الانخراط في الآليات التعاهدية الدولية ليؤكد بذلك اختيارا يدعم مسارات التحديث. لكن بعض المنظمات غير الحكومية التي تعمل على ما سمته في احدى حملاتها "مساواة دون تحفظات"، " égalité sans réserves " لاحظت أن الاشتغال الميداني على ممارسات نقض وإلغاء التمييز في حاجة إلى مزيد من الوقت. فرفع التحفظات المغربي ما زال من حيث النصوص جزئيا فقد بقيت الورقة المغربية النهائية قيد الإعداد. وفي الانتظار مازال الإعلان مسألة شفوية لم تتخذ البعد القانوني التنفيذي، كما أن الفجوة، بين التشريعات والتطبيقات والممارسات الاجتماعية التي تخضع الى عقليات، لا تستوعب كل ما ورد من تغييرات في المدونة المغربية.

     تعد مصادقة بلدان المغرب الاوسط Le Maghreb Central والمغرب الكبير Le Grand Maghreb والبلدان العربية عموما على اتفاقية السيداو رغم التحفظات المسجّلة خطوة من بين خطوات أخرى نحو المسار التحديثي للمؤسسات وللتشريعات الدولية والمحلية.

     لكن هناك جملة من الملاحظات والتوصيات التي نساهم في التذكير بها أو الإشارة إليها . ولا بد في البداية من التأكيد على ضرورة متابعة البحث ومن التذكير بأهمية متابعة المسار القائم على مقاربة نهج التنمية القائم على حقوق الانسان . كما نشير إلى أن التصديق النظري لا يكفي إذ ينبغي الاشتغال على مستوى تطبيق القوانين من جهة أولى وعلى مستوى تكريس التربية وحقوق الانسان من جهة ثانية، وذلك بهدف تغيير بعض المواقف الجديدة والتبسيطية من المسألة الحقوقية لدى الحكومات ورؤوس الأموال ولدى العموم.

      سحب التحفظات: لا مناص من سحب التحفظات أو سحب أكبر عدد ممكن منها على الأقل وإن تمّ ذلك بصفة تدريجية. وإن تمّ في نهاية الأمر الاكتفاء بالتحفظ على الفقرة الأولى من المادة 29 شأن تركيا والباكستان مثلا.
     * التزام الدول بتقديم التقارير الدورية للجنة السيداو التّي تقوم بمراجعة التقارير التي قدمتها الدول الأطراف.

    وقد قدمت تونس والجزائر والمغرب مثالا ناجحا على التفاعل مع آلية الاستعراض الدوري الشامل للتقارير. فقد سحبت كل من تونس والجزائر والمغرب تحفظاتها على المادة 9 والمتعلقة بجنسية الطفل وذلك سنة 2006.

    وقد أشرنا إلى تفاوت في مستوى تنفيذ المواد المصادق عليها بين البلدان. وتعد البلدان المتقدمة في هذا المجال ومنها تونس، التلاميذ النجباء في هذا المستوى، لكن وضع الدول الغربية وهياكل مثل البنك الدولي لها في تقسيمات جغراسياسية جديدة ضمن ما أسماه البعض منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

    هذا التقسيم يجعل التلاميذ النجباء يعوّلون أحيانا على التراكمات الايجابية ولا يستطيعون القيام بجهود إضافية، بل يطلب منهم ان يكونوا في مستوى ما تطالب به دول المنطقة ضمن ما يسمى المقاربة الشمولية .

    لا بدّ إذن من التنبيه الى أنّ المؤشرات التّي تقارن بين دول المنطقة قد تضرّ أحيانا بمعدلات البلدان الأكثر تقدما وبمكاسبها، لأنها ستبقى في انتظار لحاق الاخرين بها في سياق المساواة بين الجنسين وإلغاء التمييز ضد المرأة .

     * التنبيه الى ضرورة إعداد خطاب جديد حول منظومة القانون الدولي وحول دور الامم المتحدة في تعديل المسار الديمقراطي للدول الأطراف.
     * تدخل الدول المغاربية في باب ما أسلفنا ذكره وهو انخراط الدول المغاربية والعربية في الاطر المؤسساتية والتشريعية الدولية وذلك استجابة للمتطلبات الاقليمية.


    1 commentaire
  • Paru dans Jeune Afrique du 30 janvier 2011

    « Plutôt le feu que le déshonneur »

    FETHI BENSLAMA Psychanalyste, professeur de psychopathologie, directeur de l’UFR Sciences humaines cliniques à l’Université Paris-Diderot (1)

     

    « Examinons la signification du déclenchement. Au départ, il y a l'acte d'un individu, Mohamed Bouazizi, qui ne s’est pas simplement suicidé mais s'est auto-sacrifié. C’est le sens de l’immolation de soi publique. Avec quoi ce sacrifice est-il entré en résonance, sinon avec le joug que subissait le peuple depuis des années ? On peut certes évoquer les conditions socio-économiques. Mais on retrouve cela dans beaucoup de pays, où la misère est parfois bien pire, et ne provoque pas pour autant de soulèvement. Il faut donc chercher ailleurs, notamment du côté de ce que j'appellerai la restitution du désir politique.

                Ce désir est bien plus qu'un désir de changement. Pour le comprendre, il faut revenir en arrière. Ces dernières années, quand je revenais en Tunisie, j'étais frappé par la plainte continuelle de mes interlocuteurs. Ils témoignaient sans cesse de ce qu’ils n’étaient pas contents d'eux-mêmes et de la vie commune, où les relations les uns avec les autres devenaient exécrables. Cela se manifestaient par une agressivité inhabituelle dans ce pays. Ce sont des signes parmi beaucoup d’autres d’une désagrégation du lien social.

                Cette mésestime de soi est un élément essentiel. Car elle signifie que les gens se considèrent comme indignes à leurs propres yeux. Ils savent qu'ils acceptent l’inacceptable. On supporte une telle situation, mais qu’est-ce qui la rend insupportable ? L'inacceptable, c'était en particulier trois choses : un haut édifice de mensonges sur la démocratie, l'état de droit, l’excellence, etc ; la crapulerie du cercle dirigeant devenue très visible ; et, c'est très important, cette jouissance ostentatoire de possédants qui jettent les signes de leur richesse à la figure des autres. Bref, on tendait au peuple un miroir de mépris.

     

    Les gens étaient amenés à se sentir mesquins, et à recourir à des vilénies pour survivre : trafiquer, corrompre, se faire pistonner, etc. L’image de soi est atteinte, ce qui représente une déchéance de l’idéal. Un excès d'idéalisation rend fanatique, mais un défaut d'idéalité engendre le sentiment d’indignité. Ce rabaissement conscient, et en partie inconscient, a été confrontés tout à coup à l’acte de Bouazizi, acte qui renvoie à l'idéal le plus élevé : se sacrifier pour sa dignité. Chacun pouvait donc s'identifier à lui et se rehausser à ses propres yeux. Il montrait que le sentiment d'indignité pouvait être dépassé, en mettant en acte cette phrase célèbre de la femme d'Hasdrubal, qu'on a tous appris à l'école : « Plutôt le feu que le déshonneur. » En somme les tunisiens qui se sont soulevés ont mis un Bouazizi à la place de leur idéal d’eux-mêmes. C’est à peine un jeu de mots : ils ont flambés.

                Voilà pourquoi son geste, comme le battement d'une aile de papillon qui peut provoquer un cyclone selon la théorie du chaos, a eu un tel effet. Il a réveillé le désir politique, celui d'une communauté qui veut retrouver sa dignité. Car l'estime de soi, ne s'obtient que dans un rapport à l'autre, aux autres. La dignité personnelle passe par celle de l'autre. »

    Propos recueillis par Renaud de Rochebrune pour Jeune Afrique

     

     (1) « Déclaration d’insoumission à l’usage des musulmans et de ceux qui ne le sont pas », ouvrage publié chez Flammarion en 2006.

     


    1 commentaire
  • Paru dans Libération du 01 février 2011

    Fethi Benslama*

     

    La révolution tunisienne a surgi d’un angle mort. Vouloir aujourd’hui expliquer ses causes à travers les catégories objectives de la rationalité socio-économique est insuffisant. De telles explications finissent par nous faire adhérer à cette illusion déterministe qui fait tant de mal à notre époque où tout semble programmé. Elles privent l’existence humaine d’avenir en la rendant prévisible, dans le confort rétrospectif refroidi. Non, la révolution tunisienne est une surprise y compris pour ceux qui l’ont déclenchée et menée avec résolution. De plus, elle survient dans une situation où la notion de révolution s’est retirée de notre espace de pensée, au moins depuis la chute du mur de Berlin. La levée du soulèvement des Tunisiens, autant que sa puissance, a échappé à tout le monde. A commencer par le système de Ben Ali. Son déclenchement est venu d’une zone inaccessible au champ de vision contrôlé qu’il a constitué. Comment approcher cet angle mort ? Il faut accorder à la notion de déclenchement une valeur propre, qui va au-delà de la conception mécaniste de l’accumulation et de la rupture. Il nous faut penser ce « soudain », qui désigne dans la langue « ce qui vient sans être vu » et qui, en un court laps de temps, renverse massivement la soumission, du moins apparente, en insoumission flagrante et généralisée. Ce déclenchement porte un nom désormais, celui de l’auto-immolation de Bouazizi. Contrairement à ce qui a été dit, Bouazizi n’est pas un diplômé sans emploi, mais un marchand de fruit à la sauvette, auquel la police municipale a confisqué son étalage ambulant, et qui a été giflé lors de l’empoignade, par l’un des agents. Ce n’est pas seulement parce que son moyen de subsistance lui fut enlevé qu’il s’est immolé, mais suite à sa plainte qui a trouvé porte close ou qui fut jugée irrecevable. C’est la coïncidence entre la privation matérielle et la non reconnaissance d’un tort qui a conduit à l’acte désespéré. Or, lorsqu’on écoute l’homme de la rue en Tunisie et que l’on se rend attentif aux mots qui servent à expliquer son soulèvement, en référence à l’acte de Bouazizi, un signifiant revient sans cesse comme une litanie : celui de « qahr ». C’est un vocable effrayant qui appartient au registre le plus élevé de la puissance, celle qui asservit quelqu’un et le réduit à l’impuissance totale. De sa racine dérive le mot qui désigne le vainqueur impérieux, celui d’Irrésistible (l’un des noms divins), celui du Caire (la cité victorieuse) et étrangement dans la langue arabe ancienne, celui de l’état de la chair brûlée et vidée de sa substance. Trop belle coïncidence sémantique dira-t-on, toujours est-il que les Tunisiens puisent dans le langage de la détresse afférente à l’homme réduit à l’impuissance absolue, pour désigner l’acte de Bouazizi comme source d’identification à sa situation et aussi à sa révolte. Il n’est pas exagéré de qualifier le régime de Ben Ali comme un système de pouvoir qui réduit à l’impuissance totale : neutralisation politique des tunisiens et transformation des acteurs publics en marionnettes, organisation policière brutale et techniquement sophistiquée, pillage des biens communs par son clan vorace au su de tous, humiliation physique et morale des opposants, arrogance et menterie quotidiennes, avec les compliments des démocraties européennes qui prétendent, comme d’habitude, ne pas savoir. L’acte de Bouazizi a eu pour effet de pourvoir la révolte de la possibilité d’un renversement, en montrant comment l’homme peut trouver une puissance dans son impuissance même, peut exister en disparaissant, faire prévaloir son droit en perdant tout. C’est l’antinomie même d’un Ben Ali qui n’existe qu’en faisant disparaître les autres, à l’instar de son image flanquée sur tous les murs du pays. C’est le renversement du narcissisme du « qahr » par un pauvre paysan d’une région laissée pour compte qui a fournit à tous les Tunisien le symbole (le langage en acte) qui a déclenché un processus de subjectivation collective faisant fond, certes, sur des conditions socio-économiques qui préexistaient ; conditions qui seraient rester un état et non un procès irrépressible par lequel des femmes et des hommes retournant subitement leur impuissance en puissance de refus. Il y a un versant imaginaire à ce scénario du déclenchement, autour de l’acte inédit de l’auto-immolation dans la culture tunisienne et musulmane, si ce n’est peut-être l’écho de ce que nous avons appris par cœur, enfants, du geste de la femme d’Hasdrubal se jetant dans la brasier en criant : « le feu plutôt que le déshonneur » pour échapper au « qahr » de Carthage par les Romains. Parmi les trésors iconographiques de la révolution sur Facebook, il existe un collage ou l’on voit la tête coupée de Ben Ali en tenue de président de la république, remplacée par celle de Bouazizi. La thèse freudienne de la constitution libidinale d’une foule est d’actualité : une somme d’individus mettent le même objet à la place de leur idéal du moi pour s’identifier les uns aux autres. Sauf, qu’ici Bouazizi n’était pas un meneur, mais l’homme calciné qui, en disparaissant, a permis à la multitude de s’enflammer. En quoi l’inconscient ne peut pas ne pas être politique.

     

     

    * Psychanalyste, professeur de psychopathologie, Université Paris-Diderot.

     

     

     

     

     

     


    1 commentaire